هل يصبح ChatGPT وأشباهه مجالًا خصبًا للتنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين؟
تفشّت شهرة روبوت الذكاء الاصطناعي ChatGPT في العالم كالوباء. إذ وصلت شهرة هذه الأداة إلى حدٍ أذهل الجميع عمومًا، وشركة مايكروسوفت خصوصًا؛ إذ إن الشركة العملاقة استثمرت مليارات الدولارات لتُبرم تعاونًا طويل المدى مع OpenAI (الشركة التي طورت ChatGPT) من أجل دمج هذه الأداة الخارقة مع منتجاتها، مثل محرك البحث Bing وحزمة الأوفيس. كل هذا يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية.
على الجانب الآخر من الكوكب، نجد أن الصين لا يهدأ لها بال ولا تنفك عن تطوير قدراتها التقنية. ولدخول معترك الذكاء الاصطناعي، قرر التنين الآسيوي أن يدمج محرك بحثه الأشهر (Baidu) بروبوت ذكاء اصطناعي يُسمى Ernie Bot، كما أن كُبرى الشركات هناك، مثل Alibaba وJD.com، أعلنت عن روبوتات ذكاء اصطناعي خاصة بها.
العجيب في الأمر أن روبوت المحادثة الذكي Ernie Bot قد تم تدريبه على اللغة الإنجليزية من موسوعة ويكيبيديا وموقع ريديت، وهذان الموقعان محظوران في الصين أساسًا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسباق التقني، تذهب القيود إلى الجحيم، وينقلب التعاون إلى تشاحن، وبما أننا على دراية -ولو بسيطة- بما يحدث من قفزات تقنية في أمريكا، فدعونا نُلقِ نظرة عما يحدث في الصين، وعن هذه الحرب التقنية الباردة.
خطة الصين لقيادة العالم تكنولوجيًا:
يُمكننا أن نُرجع البداية إلى يوليو من عام 2017، وقتها أرادت الصين أن تزدهر بشكل غير مسبوق، ووضعت أهدافًا واضحة لتكون "مركزًا عالميًا للابتكار" بحلول عام 2030. هذه الأهداف والطموحات أنست الصين الخلافات مع الولايات المتحدة وأدت إلى تعاون علماء وشركات كلتا الدولتين. ولكن كما هو متوقع، لم يدم هذا التعاون كثيرًا، أو على الأقل تضاءل بشكل واضح لتضارب المصالح.
في السابع من أكتوبر عام 2022، وضع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعض القيود على صادرات أشباه الموصلات المتُقدمة تقنيًا والتي تستوردها الصين من الولايات المتحدة، وهذا بهدف الحد من زحف الصين التكنولوجي. هذا القرار كان منعرجًا محوريًا في العلاقات التي لم تلبث أن تكونت، ليعود التوتر كما كان، بل ويزيد.
اللحظة الفارقة في تاريخ الذكاء الاصطناعي في الصين:
قبل حوالي شهرين من وضع الصين لأهداف وطموحات واضحة لتكون مركزًا عالميًا للابتكار، حدث أمر جلل أدهش بكين، وربما العالم أجمع. استطاع الذكاء الاصطناعي في مايو 2017 أن يهزم بطل لعبة Go في الصين والمُصنف الأول عالميًا. ولمن لا يعرف، فلعبة Go هي لعبة صينية شهيرة تُشبه الشطرنج، ولكنها أكثر تعقيدًا وبها احتمالات أكثر.
طورت DeepMind -وهي شركة تابعة لجوجل ومختصة بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي تم تأسيسها في 2010- برنامجًا يُسمى AlphaGo واستطاعت أن تهزم به بطل كوريا الجنوبية في لعبة Go في عام 2016، ومن ثم تحدت بطل الصين والمصنف الأول عالميًا في اللعبة (Ke Jie) في 2017، واستطاع البرنامج أن يهزمه أمام الملأ في مباراة تكونت من 3 جولات فاز الذكاء الاصطناعي بها جميعًا.
كانت هزيمة بطل الصين بمثابة الصفعة على الوجه، وأثبتت الآلات أنها ليست قادرة على منافسة البشر فحسب، بل التفوق على أفضلهم وفي مجالاتهم التي أفنوا فيها أعمارهم. وفي هذا الصدد قال سام هويل، وهو الباحث في التقنية وفي شؤون الأمن القومي في المركز الأمريكي الجديد للتقنية، إن هذه اللحظة هي ما أدت إلى ثورة الصين التقنية في عالم الذكاء الاصطناعي.
الصين تتفوق على الولايات المتحدة تكنولوجيًا ويبدو أن ChatGPT ليس استثناءً!
أجرى معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي (ASPI) دراسة غطى فيها 44 مجالًا تتدخل فيها التكنولوجيا بشكل أساسي مثل مجال الذكاء الاصطناعي والفضاء والتكنولوجيا الحيوية (بايوتكنولوجي) وغيرها، والنتيجة المفاجئة أن الصين تفوقت على أمريكا في 37 مجالًا من أصل هذه المجالات الأربعة والأربعين، في حين تتفوق أمريكا في 7 مجالات فقط من ضمنها الحوسبة الكمية واللقاحات.
حللت الدراسة أداء الولايات المتحدة الأمريكية في القطاع التكنولوجي، وركزت على نقاط القوة التي امتلكتها أمريكا عبر التاريخ في مجالات الابتكار، وفي نفس الوقت سلطت الضوء على تقدم الصين الهائل الذي يستوجب القلق لأنه قد يُنحي الولايات المتحدة عن المنافسة ويشكل تهديدًا لمركزها الاقتصادي وأمنها الوطني.
من المتوقع أن يستمر قطار الصين في السير قُدمًا دون توقف في السنوات القادمة مسيطرًا على مجالات كثيرة مختلفة بداية من البطاريات وحتى تقنيات الجيل الخامس 5G.
هل سيهزم ChatGPT الصيني المنتج الأصلي؟
تُعرف شركة Baidu بمتصفحها الأشهر في الصين، ويبدو أنها ستُعرف بـ OpenAI الصينية؛ إذ إنها أعلنت في شهر فبراير الفائت أنها تعمل على روبوت محادثات يعتمد على الذكاء الاصطناعي واسمه Ernie Bot ليكافئ منتج OpenAI الثوري الذي أصبح أشهر من النار على العلم.
حسب تصريحات روبين لي، وهو الرئيس التنفيذي لشركة Baidu، فالنُسخ التجريبية لأداة Ernie Bot ستكون قد انتهت في شهر مارس الجاري، ومن ثمَّ سيُتاح استخدامه للعلن. قال لي أيضًا إنه يهدف إلى دمج Ernie Bot ليس بالمتصفح فحسب، ولكن بأنظمة تشغيل السيارات الذكية كذلك. بعد تصريحات روبين لي، ارتفعت قيمة أسهم الشركة في نيويورك بنحو 7%، ليصبح سعر السهم 150 دولارًا.
أما عن السؤال المطروح عما إذا كان Ernie Bot سيفوق ChatGPT، فالوقت وحده قادر على الإجابة عن هذا السؤال. عندما يصدر Ernie Bot وتتضح معالمه، وقتها فقط سنتمكن من مقارنته بطريقة وافية مع منتج OpenAI الثوري لنرى أيهما الأكثر إقناعًا وفائدة للمستخدمين.
تعليقات